التاريخ والأصول
لعبت هذه الزهرة الرائعة دورًا ملحوظًا في ثقافات وتقاليد الشعوب في جميع أنحاء العالم. تجد الوردة الشامية جذورها في سوريا القديمة. ارتبطت بدمشق، عاصمة سورية وأقدم عاصمة في التاريخ ما تزال مأهولة حتى اليوم. منحتها دمشق اسمها وأمنت لها صلات ثقافية عميقة بالمنطقة. يصعب تحديد تاريخ ظهورها الأول بسبب زراعتها الواسعة ومرور الزمن. ومع ذلك، تشير السجلات التاريخية والأدلة الأثرية إلى أن الوردة الشامية زرعت لأكثر من 2000 عام. كانت موضع احتفاء كبير لقرون عديدة لرقتها وأناقتها وعطرها الفريد، وأصبحت رمزًا محبّبًا لجمال المدينة.
جاوز تأثير الوردة الشامية أصولها السورية ليعمّ الإمبراطوريات والحضارات. في اليونان القديمة، ورد ذكرها في الأساطير زهرةً مرتبطة بالآلهة أفروديت رمز الحب والجمال. أصبحت جوهرة الوردة مكونًا مرغوبًا في العطور. نالت في ذروة العصر الذهبي الإسلامي الإعجاب والشهرة وغدت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية. احتُفى الشعراء والكتاب والفنانون بأزهارها الرقيقة حيث رمزت للحب والصفاء والرقة والتفاني. تجذرت في التراث الثقافي الإسلامي وامتد سحرها ليصل إلى بلاد الفرس، حيث أصبحت زهرة تحظى بتقدير خاص وترتبط بالعرش والفخامة. رسم الشعراء الفرس مشاهدها ببراعة في أبياتهم، باستخدامها في الاستعارات تعبيراً عن الحب الجيّاش والحنين والجمال. وهي إلى اليوم تحتل مكانة هامة في الثقافة الفارسية،
انتقلت مع المستكشفين والتجار على طريق الحرير. نقلوا جوهر وزراعة وردة دمشق إلى أراضٍ جديدة. وبدأ سحرها يفتن أوروبا خلال الحروب الصليبية. وهذا كان عهد تعرّف أوروبا على جمالها الفائق وسحر رائحتها. من هناك، وجدت الوردة الشامية طريقها إلى حدائق الملوك وقلوب النبلاء الأوروبيين، فترسّخت مكانتها في الثقافة الغربية، وتجاوزت أهميتها الأزمنة والحدود وتركت أثرًا لا يمحى على العالم.
رحلتها عبر الزمن تقودنا إلى يومنا الحاضر، حيث يستمر تراثها في الازدهار في حديقة المتاحف الملكية في تورينو الجميلة. هنا، بين الخضرة النضرة والأزهار العطرة، تزدهر أشجار الوردة الشامية، هدية محبة وسلام من الشعب السوري، وشاهد حي على الروابط المستدامة بين الأمم، روابط الثقافة بأجمل تجلياتها.
Roman and Greek cultures
الوردة الدمشقية في الثقافات اليونانية والرومانية
كان للوردة الشامية أهمية كبيرة في ثقافات الإغريق والرومان. استطاعت تلك الحضارات القديمة أن تقدّر جمال وردتنا ورهافة أوراقها وسحر شذاها، وأن تزرعها بكثرة. قد لا يكون في الأدب اليوناني إشارات محددة إلى الوردة الشامية، لا أن الوردة نفسها كانت محترمة ومرتبطة بالآلهة أفروديت، التي تجسد الحب والشغف. كان الإغريق يعتقدون أن الورود تنبت من الرغوة على سطح الماء عندما تخرج أفروديت من البحر، مما يعزز تواصل الوردة مع الحب والجمال.
وفي الثقافة الرومانية، لعبت الوردة الشامية دورًا بارزًا كرمز للفخامة والبذخ. زرعها الرومان بكثرة، وزينوا مدنهم بأوراقها، فكانت الشوارع مكسوة بأوراق الورد أثناء الاحتفالات الكبرى، وكانت هناك مهرجانات خاصة تعرف بمهرجانات روسيليا لتكريم جمال لوردة وأهميتها. على الرغم من عدم الإشارة المباشرة إلى الوردة الدمشقية في أعمال الشعراء الرومان المشهورين مثل فيرجيل وأوفيد، إلا أن هؤلاء الشعراء احتفوا بجمال ورمزية الورود بشكل عام في كتاباتهم. وصف فيرجيل في قصيدته الأسطورية “الإنيادة” بطل القصة أينياس واكتشاف حديقة رائعة في قرطاج مليئة بالورود المزدهرة. أصبحت صورة الحديقة النضرة ورائحة الورود العطرة رمزًا دائمًا للجمال والأمل. و غالبًا ما أشار الشاعر أوفيد المعروف بتفحصه للحب والرغبة، إلى الورود، واستخدمها كمجازات للحب والشغف. على الرغم من عدم ذكر الوردة الشامية بشكل محدد، فإن لغة أوفيد الفعالة والصور البليغة تؤكد الارتباط العالمي للورود بالحب والرغبة.
Arab and Islamic World
الوردة الشامية في العالم العربي والإسلامي
للوردة الشامية أهمية عميقة الجذور في العالم العربي والإسلامي، فهي تقدّر لرمزيتها وغنى مساهماتها في الثقافة والأدب. في التقاليد الإسلامية، يعتقد أن الوردة نشأت من عرق ودم النبي محمد، ويقال إن لونها مستمد من دمه، وهذا ما يضفي عليها قيمة روحية وقدسية عميقة. أحد أهم الشخصيات التاريخية المرتبطة بالوردة الدمشقية هو الطبيب والفيلسوف والعالم الفارسي إبن سينا. يعتقد أن إبن سينا اخترع عملية تقطير ماء الورد في القرن الحادي عشر، مما ساهم في تطوير استخدامات الورد العلاجية والعطرية التي لا تزال مقدرة حتى اليوم.
تعرف هذه الوردة في سورية بـ “الوردة الشامية” أو “الوردة البلدية”، أي المحلية. تغنى بسحرها الشعراء العرب قديماً وحديثاً. الشاعر الدمشقي الشهير نزار قباني أحب الوردة وجسد جمالها في قصيدة حب بعنوان “وردة”. في قصيدته “الورود والحب”، وصف الوردة الشامية بأنها “ملكة الزهور: و”رمز الحب” .” الشاعر الفارسي المؤثر جلال الدين الرومي، وهو واحدٌ من أعظم الشعراء في التاريخ، أعرب أيضًا عن الرمزية العميقة للوردة فجعلها رمزاً عالمياً للحب والجمال. كتب قائلاً: “الوردة تتحدث عن الحب بهدوء، بلغة لا يعرفها إلا القلوب”. وأشاد الشاعر السوري البارز أدونيس بجمال وسحر الوردة الشامية في كتاباته. وصف الوردة بأنها “عطرة ورقيقة” وشدد على أهميتها كرمز للجمال الحقيقي والأناقة.
Recent Comments